دعوة الأولياء التسعة: أساس الأخلاق الكريمة والتسامح في أندونيسيا
إن الأجيال في كل أنحاء العالم اليوم قد شهدت العوائق الاجتماعية من تراجع الأخلاق وقلة التسامح. وتعقدت تلك الإشكالية مع تقدم الزمان. هذه الظهيرة قد حدثت أيضا عند مجتمعنا المسلمين وخاصة في البلدان المسلمين مثل تونس في غرب العربي الإسلامي وأندونيسيا في جنوب الشرق أسيا ، وهما من أحسن نموذج من حيث تباعد المسافة واختلاف العادة واللغات. نعم، اظهار هذه الإشكالية في مختلف الأماكن لا تعني أن الأسباب والعلل هي نفسها من بين تلك البلدان، بل كذالك لا تعني كل هذه المجتمع شرقا وغربا يحتاج على الحلّ الواحد، أبدا!. ولكن مهما تلك الاختلافات قد يمكن لنا أن نأخذ نبذة ونكهة من بلد إلى الآخر التي تساعد لنا في علاجة تلك الإشكالية العظيمة.
ومن ألأسباب الأساسية لهذه الظهيرة هو تقدم التكنولوجيا، وخاصة بحضور وسائل تواصل اجتماعي. وقد يكون حضورها هو أكبر العامل في تحول القيم والمعايير في مجتمعنا. نعم أن لكل شيئ ناحية إجابية وسلبية. ولكن الخطرات لابد أن نهتم بها حتى يمكن التجنب خاصة لأبنائنا الأجيال القادمة.
وكل هذه العوائق الاجتماعية ليس بمشكلة إذا ترسخنا القيم الإسلامية منذ فترة تكوين. ففي أندونيسيا، تلك الجنة الأرضية منذ بداية الدخول الإسلام بدّر المتقدمون في نشر الإسلام على أساس تلك هي الكريمة. كما قد عرفنا من لسان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام “إنما بعثت للأتمم مكارم الأخلاق”.
فالمتقدمون هم الذين جاء بالرسالة على شعب الأندونيسيا –الجاوى آنذاك- بقيادة المجموعة من العلماء والأولياء التي عرفت “بالأولياء التسعة” (Wali Songo). فطبقوا الدعوة والشعار على الأساس اللطف والمرونة حيث تسامحوا على العادة والعرف للشعب الأندونيسي آنذاك. و على سبيل مثال ما قد فعله الشيخ جعفر صادق بن عثمان الحاج المعروف باسم “Sunan Kudus” بنهي عن ذبح البقرة وعوّضه بالجاموس، احتراما بالمعالم الهندوسية الشائعة قبل دخول الإسلام. ومثل هذه الأفعال قامت الأولياء التسعة دعتوهم.
و قد شهدنا كذلك الأخلاق الكريمة عند الأولياء التسعة في دعوتهم. مثلا عند الشيخ رادين قاسم المشهورة باسم (Sunan Drajat ) وهو ابن رادين رحمة (Sunan Ampel) له القيم السبعة التي مسكها وأتباعه في حياته اليومية، وخاصة عند التعامل مع العوام. نذكرها:
- Memangun resep tyasing sasama (إدخال السرور بين الناس)
- Jroning suka kudu eling lan waspada (ذكر الله في السراء)
- Laksitaning subrata tan nyipa marang pringga bayaning lampah ( لاتقلق عند مسيرة إلى المقاصد العالية)
- Meper hardaning pancadriya (الجهاد عن النفس الدنياوية وفي طاعة الله )
- Heneng-Hening-Henung (بالسكون تحصل على الطمأنينة، وبالطمأنينة تحصل على الكرامة)
- Mulya guna panca waktu (حفظ الصلوات الخمس يرفعنا إلى مقام العالية)
- Menehono teken marang wong kang wuto. Menehono mangan marang wong kang luwe. Menehono busana marang wong kang wuda. Menehono pangiyup marang wong kang kaudanan (أعط العصا للأعمي. وإطعام الجياع. والبس العريان. وأعط المنزل لمشرد)
ونعرف أن هذه القيم هي مأخوذة من المعالم الإسلامية التي نصّ الله تعالى في القرآن العظيم وكذلك من لسان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم. وهذا الطريقة وكيفية الدعوة عند الأولياء التسعة قد انبنى عليها المنهج الدعوة عند أتباعه وأجيال القادمة بعدهم.
فجمعية نهضة العلماء بمعاهدها الإسلامية (Pondok Pesantren) هي التي الوريث الحقيقي والشرعي لهذه المنهج وطريقة الدعوة التي تقدم الأخلاق الكريمة والتسامح. أما المعاهد الإسلامية النهضية بخلاف المؤسسة الآخرى، قد ربّت تلامذها بالأخلاق قبل العلم. ومع مرور الزمان فإن نهضة العلماء لا تترك هذه القيم والمعايير، بل حفظها وطوّرها حسب تغيير الأزمنة والأحوال، فيقال : المحافظة على القديم الصالح والأخذ بالجديد الأصلح”
والله أعلم.