جمعية نهضة العلماء والتحديات العالمية
على مدى رحلة جمعية نهضة العلماء (NU) في التاريخ الوطني الإندونيسي لا يمكن فصل وجودها عن تطوير المعاهد الإسلامية المشهورة (با Pesantren) إذ لا يمكن الفصل بينهما لأنهما وجهان لعملة واحدة.
نهضة العلماء هي جمعية إسلامية سنية في إندونيسيا، وهي أكبر جمعية إسلامية رسمية في العالم، ويبلغ عدد أعضائها تقابل حاليا نحو 90 مليون عضو من الأندونيسيين في الداخل وخارج البلاد. تأسست يوم 16 من رجب 1334 ه/ 1926 م في مدينة سورابايا بالجاوى الشرقية على يد حضرة الشيخ محمد هاشم أشعري (1287ﻫ/1871م – 1369هـ/1947م) مع مجموعة من إخوانه العلماء الآخرين.
تعتبر المعاهد الإسلامية هي المراكز التربوية الرئيسية لتربية أجيال نهضة العلماء. وهي منتشرة في جميع أنحاء البلاد الأندونيسية الحضرية والريفية، من Sabang (الطرف الغربي لإندونيسيا) إلى Merauke (الطرف الشرقي لاندونيسيا).
انطلاقا على نظام التعليم ومناهجه في المعاهد الإسلامية لديه أنماط متنوعة ، بعضها لا يزال يحافظ على المناهج التقليدية ، مثل النظام المنهجي النموذجي Sorogan (الطالب الذي يقرأ الكتاب على المشايخ) ، Bandongan و (المحاضرة العامة) والمشاورة أو بحث المسائل. وهناك أيضًا معاهد إسلامية التي تطبق نظامًا منهجيًا حديثًا ، بمعنى أن النظام المستخدم تتبنى التعليم العام ، ثم يتعاون مع الأنظمة التقليدية ، مثل تقديم المدارس العامة ، بدءًا من المدرسة الابتدائية والمدرسة الإعدادية والثانوية وحتى الجامعة ، ولكن من ناحية أخرى يتضمن بعض الدروس العلمية المعاصرة في المعاهد الإسلامية. وهذا وفق مع المبادئ الأساسية لجمعية نهضة العلماء، وهي الأصالة والمعاصرة والمحافظة على القديم الصالح مع الاستفادة من الجديد النافع الأصلح.
بهذه الفلسفة التربوية والمنهجية التعليمية الجامعة بين الأصالة والمعاصرة والعلم والتربية كونت معاهد نهضة العلماء رجالا وطنيين وعلماء عاملين ومصلحين صالحين سخروا حياتهم لخدمة البلاد والعباد في كل الميادين والمجالات العلمية والتربوية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. منهم العلماء والرؤساء والوزراء والسفراء والمدراء وغيرهم..عسى أن يكونوا جميعا سلفا وخلفا من (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
ومع مرور قرابة قرن على تأسيسها وتعاقب أجيال من رجالها ها هي نهضة العلماء قد بلغت مرحلة فعالة من التقدم والازدهار والنضج الفكري مما يؤهلها للمشاركة في حل المشاكل المحلية والتحديات العالمية.
فمن خلال تمسكها بمبدأ ” الإسلام رحمة للعالمين” ، فإن نهضة العلماء دائما تصدع ببيان موقفها النابع من قيم الإسلام كرسالة للرحمة والأخوة والتعايش بين كل الشعوب بالتعارف والاحترام والتعاون على تحقيق السلام العالمي كما جاء في تقريرها في مؤتمرها الوطني العام: ” في هذا السياق، جمعية نهضة العلماء ترى أن الجهود المبذولة لترسيخ مبدأ السلام العالمي هي واجب ديني لأنها محاولة لإنهاء التشهير والافتراء، وبسبب ذلك، وفيما يخص الصراعات التي تحدث في جميع أنحاء العالم، فإن نهضة العلماء تختار موقفا للسعي من أجل السلام “.
كما تدعم نهضة العلماء أيضًا قضية مشكلة تأثير التغير المناخي على العالم، و تعتبر أنه من المهم تنفيذ اتفاقيات الحد من انبعاث الغازات للتغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري والحفاظ على البيئة.
فقد اتفق فقهاء نهضة العلماء على اعتبار ضريبة الكربون تعويضا عن الأضرار التي تلحق بالبيئة بسبب انبعاثات الكربون. وأنه يجب تخصيص أموال هذه الضريبة لحماية البيئة والحفاظ عليها ، بما في ذلك دفع تعويضات لتحقيق مناطق خفض الانبعاثات. وهذا يعني أن كل عمل يضر بالبيئة هو عمل منكر محرم ؛ لأنه عمل مضر بالبيئة والإنسان والحيوان. وفقا للقاعدة الشرعية( لا ضرر ولا ضرار ).
ختاما، وبناء على ما تقدم ، يمكن القول أن نهضة العلماء كمنظمة مجتمع مدني دينية ، انبثقت من التعاليم الإسلامية وتأسست على المقاصد الشرعية ، قد طورت خطابها وجددت مجالات إصلاحها ومشاركتها ليس في القضايا الشرعية والتعليمية والوطنية فقط بل أنها أصبحت تحاول مواكبة التغيرات الدولية والتحديات الحضارية وطنيا وإقليميا وإسلاميا ودوليا.
و يمكن نقل التنافس الديني المهيمن على البيئة ليصبح مصدر إلهام جديد للإدارة البيئية والسلام العالمي. كما يمكن استخدام اجتهاد الفقهاء والعلماء فيما يتعلق بقضايا التحديات البيئية في الواقع كدليل للأعمال الدينية الوقائية بحيث تصبح مصدرا قانونيا للمنظمات الدولية ليتحقق مقصد: “الإسلام رحمة للعالمين” لتنعم برحمته وحكمته وعدله البشرية والناس جميعا.