أخبار

إلى أين نهضة العلماء؟

نشأت فكرة المحافظة على روح التواسط والتسامح والتوازن في تدعيم التعايش في المجتمع الإندونيسي والاعتدال في سياق التعددية حتى لا يوجد التعصب تجاه المعتقدات أو الممارسات والطقوس الدينية, هذه الفكرة تتعلق بشكل وثيق بالوهابية بوصفها حركة قامت بنشر الدعوة التي تخالف تماما عن السلف من أئمة المذاهب الأربعة، حيث داعت إلى ترك المذاهب السائدة عند الحج وهدم الأبنية التراثية من المعالم التاريخية منذ بعثة النبي حتى تأسيسه الدولة المدنيّة في المدينة المنورة.

بقيادة الشيخ عبد الوهاب حسب الله، سافر عديد من العلماء التقليديين الإندونيسيين إلى المملكة العربية السعودية ببسبب منعها تعليم المذاهب السنية الأربعة وعملها خلال الحج والعمرة ومخاوف نقل قبر النبي من قِبل أئمة الوهابية. سميت هذه اللجنة الصغيرة بلجنة الحجاز وهي رائدة في ولادة منظمة نهضة العلماء.

عبّرت اللجنة المشاكل الكثيرة بنجاح إلى ابن سعود في عام 1928، منها مسألة حرية الاتباع على إحدى المذاهب الأربعة عند الحج في المستقبل حتى يتمكن المسملون اليوم من الحج والعمرة حسب مذاهبهم، كما يتمكون من زيارة الأماكن المباركة. بعد نجاح الوفود في إرسال أصواتهم إلى مالك السعودية، اُقتـُرح جعلُ لجنة الحجاز منظمة للعلماء التقليديين للإندونيسيين فتحولت إلى منظمة تسمى بنهضة العلماء التي تواسطت في التدين وتوازنت وتسامحت في آن واحد.

رغم أن التصورات الثلاثة السالفة ذكرها هي تصورات تديُّنيَّة بالأساس إلا أنها لم تطبق فقط من قبل أعضاء جمعية نهضة العلماء في الشؤون الدينية فحسب، والحق أن تطبيقها يتعدى إلى الشؤون السياسية والمعاملة اليومية مع جميع عناصر الدولة المتكونة من عديد القبائل والمعتقدات والديانات المختلفة، بالخصوص بعد تأسيس نهضة العلماء رسميًا في 31 يناير 1926.

يجدر الذكر، شاركت نهضة العلماء بصفة فعالة في تنمية إندونسيسا وتقدُّمها وحافظ على وحدتها، واعتبرت أولى المنظمة من منظمات اجتماعية دينية بإندونيسيا التي اعترفت ببانجاسيلا (Pancasila) بوصفها أساسا للدولة وإيديولوجيا لها. في حين أن المنظمات الاجتماعية والدينية الأخرى، حين ذاك، لم تعترف ببانجاسيلا. رغم أنها تدعي كتمثيل بالحركة الإصلاحية بإندونيسيا.

في حين، رأت نهضة العلماء أن الجوهر أو المقصد أهم بكثير من الرمزية حيث أن البنود الخمسة للبانجاسيلا اشتملت علىى روح صحيفة المدينة كتبها نبينا الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، استهدف كل من بانجاسيلا وصحيفة المدينة لتحسين العلاقات بين الأديان والجماعات المختلفة حتى عاشت هذه الطوائف في دولة واحدة يتساوى حقها بدون التمييز .

فالاعتراف ببانجاسيلا بوصفها أساسا للدولة وإيديولوجياها كان أمرا حاسما حيال هذا الموضوع. بالاعتماد على هذه القضية، فلا عجب إن أصحبت نهضة العلماء قاطرة تسحب عربات مملوءة بالركاب المختلفين، يسوقها الكابتن الذي يلعب دورا مهما للغاية في نشر التواسط والاعتدال والتسامح في التدين صفا واحدا مع علماء الأخرين.

واستخدموا استراتيجية فعالية إذ أنهم يرسمون خرائط تفصيلية لجميع المجتمع المستهدف. من استراتيجياتهم تفضيل الأخوة البشرية والوطنية خلال المعاملة مع جميع الطوائف أعلاه بقطع النظر إلى الأديان والمعتقدات والقبائل ولغة الأم وغيرها من الاختلافات. حثّ حضرة الشيخ هاشم أشعري، الرئيس الأكبر لنهضة العلماء، إلى هذين النوعين من الأخوة ليترافق أعضاء الجمعية مع الطوائف الأخرى كأمة واحدة يحمل نفس المسؤولية وهي المحافظة على التناسق للوطن والسلام على حد السواء دون النظر إلى اختلاف الدين والمعتقد والطقوس.

حث خضر  الشيخ على ذلك نظرا إلى أن حبّ الوطن عنده ظاهر من مظاهر حسن إيمان المرء. بسبب تدعيم نهضة العلماء التواسط والتوازن والتسامح، اعترفت بها كمنظمة تحافظ على التعددية بإندونيسيا جيلا بعد جيل منذ تأسيسها إلى يومنا الراهن. بشكل غير مباشر، جعلت رباعية التصورات السالفة من التواسط والتسامح والتوازن وحب الوطن من الإيمان كأساس تبنى عليها الأفكار القومية عند سوكارنو Soekarno الرئيس الأول للجمهورية الإندونيسية حيث داع إلى حب الوطن والمحافظة على تكامله.

قبيل المؤتمر يبقى أمامنا سؤال قديم صالح لتجديد طرحه : إلى أين تذهب نهضة العلماء؟ السؤال قديم حقا إلا أن الإجابة يحتمل الامكانيات شتى، يمكن كون الإجابة جديدا كما يمكن كونه قديما. وهذا يرتبط بالمؤتمر الــ34 القادم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى